كل ما يجب ان تعرفه عن نظام الحمى

0

إن نظام الحمى ھو نظام تقلیدي للمناطق المحمیة یھدف إلى تحقیق الاستخدام المستدام للموارد الطبیعیة على ید المجتمعات الأھلیة المحیطة بالحمى ولمصلحتھا. یساھم ھذا النظام في المحافظة بشكل غیر مباشر على التنوع الحیوي، علاوة على الإرث الطبیعي والثقافي للمنطقة.

ویعد نظام الحمى ھاماً لأنه نظام المحافظة على الطبیعة القائم على أساس مشاركة المجتمعات المحلیة في النظام المركزي الحكومي للمناطق المحمیة، مما ینتج عنھ فوائد لمجموعات المجتمع المحلي. كما أن اكتساب دعم محلي لإحیاء ممارسة نظام الحمى كنظام مفید ومجد اقتصادیاً وقابل للاستدامة ومكمل للمحمیات الطبیعیة سوف یؤدي في نھایة المطاف الى الانخراط المتزاید للمجتمعات المحلیة في فوائد الحمى المباشرة الناتجة عن الحمایة وإلى تحسین وضع الموارد الطبیعیة بالذات.

في حالات عدیدة، قد تكون المقاربة المتعلقة بنظام الحمى ذات كلفة اقتصادیة فعالة، وتساعد في استقطاب دعم موارد أخرى غیر متوفرة للمحمیات الطبیعیة الرسمیة. كما یمكن أن یؤمن نظام الحمى فرصاً أعظم للاستخدام البشري المستدام للموارد الطبیعیة، وبذلك یساھم بدرجة أكبر في التخفیف من حدة الفقر لدى الناس الذین تشكل الموارد الطبیعیة لھم مكوناً أساسیاً من استراتیجیات معیشتھم.
ویكمن الھدف العام لمبادرات استعادة الحمى في الربط بین الممارسات الاسلامیة التقلیدیة والعلوم الحدیثة للمحافظة على الطبیعة بصفتھا وسیلة لتحقیق التنمیة المستدامة .

القرآن الكریم و البیئة

یشیر القرآن الكریم في مواضع عدة إلى البیئة، ویحتوي أیضا على بعض المبادئ الھامة في الحفاظ علیھا. أما المبدأ الأول الذي یعكس التوجه الإسلامي في موضوع الاستدامة البیئیة فھو مفھوم الوصایة، حیث یتوجب على الشخص الذي یملك منصب الوصي اتخاذ جمیع الخطوات اللازمة لضمان نقل الملكیة إلى الجیل التالي في أكثر صورة نقیة ممكنة. ووفقا للإسلام، إن كل شخص ھو حارس للطبیعة (أي حامي الحمى بمفھومنا القدیم والحدیث)، ویجب علیه أن یعیش بانسجام مع المخلوقات الأخرى فیھا. ومن واجب جمیع المسلمین احترام البیئة و الحفاظ علیھا.

إن الفساد بجمیع أنواعھ، بما في ذلك الفساد البیئي، الذي یشمل التلوث الصناعي، الضرر البیئي، الاستغلال الطائش، وسوء إدارة الموارد الطبیعیة مكروه عند لله سبحانه وتعالى.

یقول لله سبحانه و تعالى في كتابه الكریم:

“وَيَسْعَوْنَ فِي الأرضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” ﴿ ٦٤ ﴾ – المائدة

“وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض بَعْد إِصْلَاحِھَا ذَٰلِكُ مخَیْر لَكُمْ إِن كُنْتُ ممُؤْمِنِین” ﴿ ٨٥ ﴾ – المائدة

“وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَن َّ إِلَیْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَاد فِي الْأَرْضِ إِن الله َ لا یُحِب الْمُفْسِدِین” ﴿ ٧٧ ﴾” – القصص

“يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” ﴿ ٣١ ﴾ – الأعراف

وفقا للقرآن الكریم، إن الحفاظ على البیئة واجب دیني والتزام اجتماعي، وھو لیس مسألة اختیاریة. ویرتبط استغلال مورد طبیعي معین مباشرة بالمساءلة عنھ والالتزام بالحفاظ علیھ والتأكد من دیمومته أیضا.

الحدیث الشریف والبیئة ومفھوم الحمى

یتعامل الحدیث النبوي الشریف أیضا على نطاق واسع مع مختلف الجوانب البیئیة، بما في ذلك الحفاظ على الموارد، استصلاح الأراضي، والنظافة البیئیة. كان الرسول محمد – صلى لله علیھ و سلم – یذم الإسراف والترف، ویشجع على الاعتدال في جمیع مناحي الحیاة. ویعتبر أكثر الأحادیث النبویة شھرة في مجال البیئة بذلك
الذي یقول “إن الدنیا حلوة خَضرة، وإن لله مستخلفكم فیھا – رواه مسلم“، وھو یؤكد من جدید على تعالیم القرآن التي جاء فیھا أن البشریة قد أعطیت مسؤولیة الوصایة على البیئة الطبیعیة.
نھى رسول لله محمد – صلى لله علیه و سلم – بوضوح عن تدمیر الأشجار والمحاصیل الزراعیة حتى خلال أوقات الحرب، ما دام وجودھا لا یزال مفیدا للعدو. ومنح أھمیة كبیرة للزراعة المستدامة للأرض، والمعاملة الإنسانیة للحیوانات، والحفاظ على الموارد الطبیعیة، وحمایة الحیاة البریة. ومن بعض أقوال النبي- صلى لله علیه  وسلم- في الحث على الاستدامة البیئیة:
((مَا مِن مُسلم یَغرِسُ غَرْسًا أو یَزرَعُ زَرْعًا فیأكُلُ مِنھ طَیرٌ أو إنسَانٌ أو بھیْمَةٌ إلا كان لھُ بھِ صَدقَةٌ.)) – رواه النسائي.
((من نصب شجرة فصبر على حِفْظھا والقیام علیھا حتى تُثمر كان لھ في كل شيء یُصاب من ثمرھا صدقة عند لله.)) – رواه مسلم.
أدرك الرسول – صلى لله علیه و سلم – أنھ لا ینبغي استغلال الموارد الطبیعیة بشكل مفرط ولا ینبغي إساءة معاملتھا. ومن أجل حمایة الأراضي والغابات والحیاة البریة، أنشأ مناطق لا یمكن انتھاكھا، تعرف باسم “الحرام” أو “الحمى”، حیث تترك الموارد فیھا دون أي مساس. تم وضع مناطق الحرام حول الآبار ومصادر المیاه لحمایة المیاه الجوفیة من فرط ضخ المیاه منھا. أما الحمى فقد طبقت على الحیاة البریة والغابات، وحددت مساحة من الأراضي حیث كان الرعي وتقطیع الأخشاب فیھا مقیدا، أو كانت بعض أنواع الحیوانات (مثل الجمال) محمیة.
قام رسول لله محمد- صلى لله علیه و سلم – بإنشاء حمى في جنوب المدینة المنورة وحظر الصید داخل دائرة نصف قطرھا أربعة أمیال، ومنع تدمیر الأشجار أو النباتات داخل دائرة نصف قطرھا اثنا عشر میلا. ویظھر إنشاء المناطق المحرمة الأھمیة التي وضعھا – صلى لله علیھ و سلم – للاستخدام المستدام للموارد الطبیعیة وحمایة الحیاة البریة والأراضي الزراعیة. وقد أضاف لھا النبي صلى لله علیه وسلم حمى یحیط بھا إحاطة السوار بالمعصم، وحرم قطع الشجر داخل ھذا الحمى ولم یحرم الصید فیه، لذلك سماه الإمام مالك إمام دار الھجرة (رحمه تمییزا” له عن حرم المدینة الذي یحرم فیھ الصید، بالإضافة إلى حرمة شجرة. (ویعتبر حرم « حمى الشجر » ( لله المدینة حلقة داخل الحلقة الأكبر ھي الحمى ما یعرف الیوم بالمحیط الحیوي للحمى والتي تطالھ معاییر اقل صرامة من الحمى نفسھا.
أحماء المدینة المنورة للباحث في معالم المدینة المنورة » ونذكر الكثیر من “الحمى الاسلامي” وفق ما ورد في كتاب التاریخیة والسیرة النبویة عبدلله بن مصطفى الشنقیطي، الذي فسر فیھ لفظ الحمى في اللغة والاصطلاح، وعرفه قبل وبعد الإسلام وحدد أقسامه، مشیر اً إلى أشھر أحماء العرب قبل الإسلام، كحمى “النقیع” التي ضمت جبل قدس، جبل برام، جبل مقمل، جبل الواتدة، الصحرة، النابع، مریبد، وأورد بعض الأودیة في ھذا الحمى منھا وادي حمت، وادي صورى، وادي ضاف وأودیة النبعة، كما تحدث عن حمى “الربدة” نسبة الى جبل ربد.

الحفاظ على الحمى الاسلامي بین التاریخ والحداثة

تاریخیاً كان الزعماء القبلیون في المنطقة العربیة یطبقون نظام الحمى، ثم انتقلت ھذه المسؤولیة لاحقاً إلى القیادات الدینیة بغیة تأمین الفوائد للمحتاجین ضمن المجتمعات المحلیة ولدى القبائل. عقب ذلك، تم تحویل ھذه المسؤولیة إلى البلدیات في دول الشرق الأدنى، كما في لبنان. ساھم ھذا التحویل في تأمین المساواة والإنصاف في استخدام الموارد الطبیعیة للحمى. أھملت معظم دول الشرق الأدنى موضوع نظام الحمى خلال الخمسین سنة الماضیة وشھدت المنطقة تبني أنظمة أخرى من المناطق.
لا شك أن مفھوم التنمیة المستدامة الذي توصل إلیه الإنسان أخیرًا، وجاء بعد معاناة طویلة، وإھدار ھائل للموارد الطبیعیة، وما أحدثته الصناعات المختلفة من ملوثات أفسدت التربة والماء والھواء، تداركھ الدین الإسلامي، ونبھت علیه تعالیمه، كما أكده “ھوفمان” في بحثھ عن علاقة الإسلام بالبیئة؛ حیث یرى أن السبب الحقیقي لما آلت إلیه البیئة من وضع متدھور ناتج عن اغترار الإنسان غیر المؤمن بوجود لله، فسوَّلت له نفسه أنه السید المسیطر على الطبیعة، فاعتقد ذلك یقینًا، وسعى إلى استھلاكٍ نَھِمٍ بلا حدود. أما المسلم فیدرك أنه لا یملك شیئًا، وأن الملك وحده، وأن البیئة ودیعة استخلفه لله فیھا؛ لیقوم بحقھا ویستغلھا استغلالاً مسؤولاً. وفي سبیل ذلك فھو مكلف بالاعتدال في كل شيء، وعدم استھلاك موارد بیئته ولا طاقاتھا، فلیست القضیة تغنیًا بالطبیعة والعیش في رومانسیة معھا، بل القضیة في تغییر الإنسان نفسه بصفته المستھلك لمواردھا، والتزام الاعتدال وفرض القیود المعقولة والحكیمة على النفس في التعامل معھا، مع تغییر النظام الاقتصادي المستغل والمنتھك لقوانین الطبیعة، فالبیئة مصدر لتدعیم الإیمان في القلوب، یتجلى فیھا إعجاز الخالق جل شأنه، والتغییر المنشود لا بد أن یطول الإنسان نفسه، بمعنى تغییر القلوب، وزرعھا بالإیمان، حتى تكون علاقتھا مع الطبیعة علاقة ائتمان وحب واستخلاف من لله سبحانه.

اترك رد