من الروائع الخالدة في الشعر العربي قصيدة عن “الحمى” للشاعر الصَمَّة القُشَيري
تعد قصيدة الشاعر الصَمَّة القُشَيري “خليلي عوجا مِنكُم اليَومَ أودعا” من روائع الشعر العربي التي يصف فيها الحمى ويرسخ مفهومها الثقافي والادبي في واحدة من أجمل قصائد الغزل.ى اشتهرت هذه القصيدة بعد أن غنتها السيدة فيروز والفنان وديع الصافي في العام 1972 والاغنية من تلحين الأخوان الرحباني، وقد استبدل الملحنين كلمة “بنفسي” في القصيدة الأصلية بكلمة “بروحي” للضرورة الموسيقية.
الصمة بن عبد الله بن الطفيل القشيري شاعر غزل إسلامي بدوي عراقي من شعراء العصر الأموي. قيل أنه أحبَّ فتاة من قومه، من بناتِ عمه، يقال لها العامرية بنت عطيف، فخطبها إلى أبيها فأبى أن يزوجه إياها ، وخطبها عامر بن بشر الجعفري فزوجه إياها، فلما بنى بها زوجها وجد بها وجدا شديدا، فزوجه أهله امرأة منهم يقال لها جبرة، فأقام معها يسيرا ثم رحل إلى الشام غضبا على قومه وقال:
خـليـلي عـوجـا مِـنـكُـم اليَـومَ أودعا
نـحـيِّيـ رسـومـا بـالقُـبَـيـبَـةِ بـلقـعا
أَرَبَّتــ بِهــا الأَرواحُ حَــتّـى تَـنَـسَّفـَت
مَــعــارِفُهـا إِلّا الصَـفـيـحَ المُـوَضَّعـا
وَغَــيــرَ ثَــلاثٍ فــي الدِيــارِ كَـأَنَّهـا
ثَــلاثُ حَــمــامــاةٍ تَــقــابَــلنَ وُقَّعــا
أَمِـن أَجـلِ دارِ بِـالرَقـاشَـيـنِ أَعـصَـفَت
عَــلَيــهـا رِيـاحُ الصَـيـفِ بُـدءً وَرُجَّعـا
بَـكَـت عَـيـنُـك اليُـسـرى فَـلَمّا زَجَرتَها
عَـنِ الجَهـلِ بَـعـدَ الحِلمِ أَسبَلَتا مَعا
وَلَم أَرَ مِــثــلَ العــامِــريَّةـِ قَـبـلَهـا
وَلا بَـعـدَهـا يَـومَ إِرتَـحَـلنـا مُـوَدِّعا
تُــريــكَ غَــداةَ البَــيـنِ مُـقـلَةَ شـادِن
وَجــيــد غَــزالٍ فـي القَـلائِدِ أَتـلَعـا
وَمــا أُمُّ أَحــوى الجُــدَّتَـيـنِ خَـلالَهـا
أَراكٌ مِــنَ الأَعـرافِ أَجـنـى وَأَيـنَـعـا
غَـدَت مِـن عَـلَيـهِ تَـنـغُـض الطَـلَّ بَعدَما
رَأَت حـاجِـب الشَـمـسِ إِسـتَـوى وَتَـرَفَّعـا
بِــأَحــسَــن مِــن أُمِّ المُــحَـيّـا فُـجـاءَةَ
إِذا جـيـدَهـا مِـن كِـفَّةـِ السِترِ أَطلَعا
وَلَمّــا تَــنــاهَـبـنـا سِـقـاطَ حَـديـثِهـا
غِـشـاشـا وَلان الطـرفُ مِـنـها فَأَطمعا
فَـرَشَّتـ بِـقَـولٍ كـادَ يُـشـفـى مِنَ الجَوى
تَـــلُمُّ بِهِ أَكـــبــادَنــا أن تَــصَــدَّعــا
كَــمــا رَشَــفَ الصــادي وَقــائِعَ مُـزنَـةَ
رَشــاشٍ تَــوَلّى صَــوبُهــا حـيـنَ أَقـلَعـا
شَـكَـوتُ إِلَيـهـا ضَـبـثَـةَ الحَـيِّ بِالحَشا
وَخَــشــيَــةَ شَــعــب الحَـيِّ أَن يَـتَـوَزَّعـا
فَــمــا كَــلَّمَــتـنـي غَـيـرَ رَجـعٍ وَإِنَّمـا
تَـرَقـرَقَـت العَـيـنـانِ مِـنـهـاَ لِتَـدمَعا
كَــأَنَّكــَ بِـدَع لَم تَـرَ البَـيـنَ قَـلبَهـا
وَلَم تَــكُ بِــالآلافِ قَــبــلُ مُــفَــجَّعــا
فَــلَيــتَ جِــمــالَ الحَـيِّ يَـومَ تَـرحَـلوا
بِــذي سَــلَمِ أَمــسَــت مَــزاحـيـفَ ظُـلّعـا
فَــيُـصـبِـحـنَ لايُـحـسِـنَّ مَـشـيـا بِـراكِـب
وَلا السَـيـرَ في نَجدِ وَإِن كانَ مَهيَعا
أَتَــجــزَع وَالحَــيــان لَم يَــتَــفَــرَّقــا
فَــكَـيـفَ إِذا داعـى التَـفَـرُّق أَسـمَـعـا
فَـرحـت ولو أَسـمَـعـتُ مـابي مِن الجَوى
رَذِيَّ قِـــطـــارٍ حَـــنَّ شَـــوقـــاً وَرَجَّعـــا
أَلا يــا غُــرابـي بَـيـتِهـا لاتَـرَفَّعـا
وَطـيـرا جَـمـيـعـاً بِـالهَـوى وَقَعا مَعا
أَتَــبــكـي عَـلى رَيّـا وَنَـفـسُـكَ بـاعَـدَت
مَــزارَكَ مِــن رَيّـا وَشَـعـبـاكَـمـا مَـعـا
فَـمـا حَـسـنٌ أَن تَـأتـي الأَمـرَ طـائِعاً
وَتَــجـزَع أِن دَعـى الصَـبـابَـة أَسـمَـعـا
كَـــأَنَّكـــَ لَم تَــشــهَــدَ وَداعَ مُــفــارِقٍ
وَلَم تَــرَ شَــعــبَـي صـاحِـبَـيـنِ تَـقَـطَّعـا
تَــحَــمَّلــَ أَهـلي مِـن قَـنـيـنَ وَغـادَروا
بِهِ أَهــلَ لَيــلى حـيـنَ جـيـدَ وَأَمـرَعـا
أَلا خَـــليـــلَيَّ اللَذَيـــنِ تَـــواصَــيــا
بِـــلَومـــي إِلّا أَن أُطــيــع وَأَضــرَعــا
فَـإِنّـي وَجَـدتُ اللَومَ لايُـذهِـبُ الهَـوى
وَلَكِــن وَجَـدتُ اليَـأس أَجـدى وَأَنـفَـعـا
قِــفــا إِنَّهــُ لابُــدَّ مِــن رَجــعِ نَـظـرَةٍ
مُــصَــعَّدَةٍ شَـتـى بِهـا القَـومُ أَو مَـعـا
لِمُــغــتَــصِــبٍ قَــد عَــزَّهُ القَـومُ أَمـرَهُ
يُــسِــرُّ حَــيــاءً عَــبــرَةً أَن تَــطَــلَّعــا
تَهــيــجُ لَهُ الأَحـزانَ وَالذِكـرَ كُـلَّمـا
تَـرَنَّمـَ أَو أَوفـى مِـنَ الأَرضِ مَـيـفَـعـا
قِـفـا وَدِّعـا نَـجـدا وَمَـن هَـلَّ بِـالحِمى
وَقُــلِّ لِنَــجــدِ عِــنــدَنــا أَن يُــوَدَّعــا
بِـنَـفـسـيَ تِلكَ الأَرضُ ما أَطيَبَ الرُبا
وَمــا أَحـسَـنَ المُـصـطـافَ وَالمُـتَـرَبَّعـا
وَأَذكُــرُ أَيّــامَ الحِــمــى ثُـمَّ أَنـثَـنـي
عَــلى كَــبـدي مِـن خَـشـيَـةٍ أَن تَـصَـدَّعـا
فَــلَيــسَــت عَــشـيّـاتِ الحِـمـى بِـرَواجِـعٍ
عَــلَيــكَ وَلَكِــن خَـلِّ عَـيـنَـيـكَ تَـدمَـعـا
مَــعــي كُــلّ غِــرَّقَــد عَــصــى عــاذِلاتِهِ
بِـوَصـلِ الغَواني مُنذُ لَدُن أَن تَرَعرَعا
إِذا راحَ يَـمـشي في الرِداءَينِ أَسرَعَت
إِلَيـهِ العُـيـونُ النـاظِـرات التَـطَلُّعا
وَسِــربُ بَــدَت لي فــيــهِ بـيـضٌ نَـواهِـد
إِذا سُــمـتُهُـنَّ الوَصـلَ أَمـسَـيـنَ قُـطَّعـا
مَـشَـيـنَ أَطَّرادَ السَـيـلِ هَـونـاً كَـأَنَّما
تَـراهَـنَّ بِـالأَقـدامِ إِذا مِـسـنَ ظُـلَّمـا
فَـقُـلتُ سَـقـى اللَهُ الحِمى دِيَمَ الحَيا
فَـقُـلنَ سَـقـاكَ اللَهُ بِـالسُـمّ مُـنـقَـعـا
وَقُــلتُ عَــلَيــكُــنَّ السَــلامَ فَــلا أَرى
لِنَـفـسِيَ مِن دونِ الحِمى اليَومَ مقنَعا
فَــقُــلنَ أَراكَ اللَه إِن كُـنـتَ كـاذِبـاً
بَـنـانَـكَ مِـن يُـمـنـى ذِراعَـيـكَ أَقـطَعا
وَلَمّــا رَأَيــتَ البِــشـرَ أَعـرَضَ دونَـنـا
وَجــالَت بَـنـاتُ الشَـوقِ يَـحـنِـنَّ نُـزَّعـا
تَــلَفَّتــُ نَــحــوَ الحَـيِّ حَـتّـى وَجَـدتُـنـي
وَجِـعـتُ مِـنَ الإِصـغـاءِ لَيـتـاً وَأَخـدَعا
فَـإِن كُـنـتُـم تَـرجَـونَ أَن يَذهَب الهَوى
يَـقـيـنـا وَنَـروى بِـالشَـرابِ فَـنَـنـقَعا
فَرُدّوا هُبوبَ الريحِ أَو غَيِّروا الجَوى
إِذا حَــلَّ أَلواذ الحَــشــا فَــتَــمَـنَّعـا
أَمّــا وَجَــلالِ اللَه لَو تَــذكُـريـنَـنـي
كَــذكـريـكِ مـاكَـفَـفـتُ لِلعَـيـنِ أَدمُـعـا
فَــقــالَت بَــلى وَاللَهِ ذِكــرا لَو أَنَّهُ
يُــصَــبُّ عَــلى الصَـخـرِ الأَصَـمِّ تَـصَـدَّعـا
فَـمـا وَجـدُ عُـلوى الهَـوى حَـنَّ وَإِجتَوى
بِـوادي الشَـرى وَالغَـورِ مـاءً وَمَرتَعا
تَــشَــوَّقَ لِمــا عَـضَّهـُ القَـيـدُ وَإِجـتَـوى
مَــراتــعَه مِــن بَــيــنِ قُــفِّ وَأَجــرَعــا
وَرامَ بِــعَــيــنَــيــهِ جِـبـالاً مُـنـيـفَـةً
وَمـا لايَـرى فـيـهِ أَخو القَيد مَطمَعا
إِذا رامَ مِــنــهــا مَـطـلِعـا رَدَّ شَـأوَه
أَمـيـنُ القِـوى عَـضَّ اليَـدَيـنِ فَـأَوجَـعا
بِــأَكــبَــرَ مَــن وَجَــد بِــرَيّــا وَجَــدتُهُ
غَـداةَ دَعـا داعـي الفِـراقِ فَـأَسـمَـعـا
وَلا بَــكــرَة بِــكـر رَأَت مِـن حُـوارِهـا
مَـجَـرّاً حَـديـثـاً مُـسـتَـبـيـنـاً وَمَـصرَعا
إِذا رَجَّعـــت فـــي آخِــرِ اللَيــلِ حَــنَّةً
لِذِكــر حَـديـثٍ أَبـكَـت البُـزلَ أجـمـعـا
لَقَـد خـفـتُ أَن لاتَـقـنَـعَ النَفسُ بَعدَهُ
بِـشَـيـءٍ مِـنَ الدُنـيـا وَإِن كُـن مَـقنَعا
أَعــذُلُ فـيـهِ النَـفـسَ إِذا حـيـلَ دونَهُ
وَتَــأبــى إِلَيـهِ النَـفـسُ إِلّا تَـطَـلَّعـا
سَـلامٌ عَـلى الدُنـيـا فَـمـا هِـيَ راحَـةً
إِذا لَم يَــكُـن شَـمـلي وَشَـمـلُكُـم مَـعـا
وَلا مَـرحَـبـاً بِـالرَبـعِ لَسـتُـم حُـلولَه
ولَو كــانَ مُـخـضَـلَّ الجَـوانِـب مُـمـرِعـا
فَـمـاءٌ بِـلا مَـرعـى وَمَـرعـى بِـغَيرِ ما
وَحَــيــثُ أَرى مـاءَ وَمَـرعـىً فَـمَـسـبَـعـا
لَعَـمـري لَقَـد نـادى مُـنـادى فـراقـنا
بِـتَـشـتـيـتِـنـا فـي كُـلِّ وادٍ فَـأَسـمَـعا
كَــأَنّــا خُــلِقــنــا لِلنَــوى وَكَــأَنَّمــا
حَــرامٌ عَــلى الأَيــامِ أَن نَــتَــجَـمَّعـا